24 يوليو 2010

ذاك أبي



هل هذا المُسجّى أبي ؟؟
ظل ابتسامة يشرق
في ظلمة الموت
شبح مسك يفوح
من آخر نفس
ولع بالحياه
يتوقف عن النبض
أبي العاشق
المولع بنكهة العيش
الصادق ...
تنطلق كلمته كالرمح
يقولها ويمضي
غير عابئٍ بالنتائج
هل هذا أبي ؟؟
أبي الذي لسنين ......
................................
يراافق محراثه الخشبي ،
يطمر الحبوب
واعداً بزهو السنابل
ينحني على قادومه
يقاوم قسوة الشوك
يطلق سراح منجله
في براح الحقول
يرعى ويعول
يبذر الحكمة
أمام مناقير الفهم
يسرج جموح انفعالاته
ويلقمنا فن الاختلاف
يصارع ولا يتبلّى
يقاوم ولا يكره
يشق بصلاته
سكون الليل
وبحنوه قسوة القلوب
ما سبقه عكّازه ...
إلى مكان
إلاّ وشرّعت
نوافذ الأمل
كم من لقمة
مغموسة بالدم والعرق
أسقطها في أفواهنا الصغيرة
مكتفياً بلذة المشاهدة
هل هذا المسجّى أبي
هل يشعر الكهل باليتم ؟؟
أولادي يحيطون بي
وأشعر أني لهم
لست كما كان لي
أشعر أنهم
لن يفتقدوني
كما أفتقده
أحن إلى دفء صوته
وهو يتهدج بالدعاء
وهو يروي حياته
المصبوغة بالمكابدة
أحن إلى تهلل وجهه
حين أفاجأه بالزيارة !!
حين يستقبل ضيوفه
"واقفاً على ساق واحدة"
افتقد حنكته
ذاكرته الصافية
تلظم الأحداث
عقداً متناسقاً
في رقاب الحكايا
هل هذا المسجّى أبي ؟؟؟
البارحة ...
تناول طعام العشاء
مع رفاقه
سامر عائلته
وأقبل على الموت
ببساطة ...
كعادته دائماً
حين يواجه
عظائم الأمور
يا الله ....
يامن خلقته وأمته
تقبل ذكره وشكره
صلاته وقيامه
حجه وصيامه
إيمانه الفطري
بجنتك التي وعدت
يا الله
بعدد ما أسقط
في أفواهنا
زمن الضنك

بقدر ما علّم وأرشد
بقدر ما أكرم من ضيف
وما أصلح من بين
وما أغاث
من ملهوف
يا الله
يامن تعلم
وحدك حكمة الموت
يسر لنا صبراً
على فراقه المر ...



23 فبراير 2010

غداً عام آخر


غداً يوم آخر
غداً عام جديد
الأولاد يذهبون إلى المدرسة
يتعلمون فيها
ما يفرقون به
بين المرء وذاته
الشباب في الطرقات
أيديهم ..
على مقابض الشجار
سكاكينهم ...
على رؤوس ألسنتهم
الهواتف تختصر المسافة
تحرق بهجة المفاجأة
والصبايا يرفلن في العنوسة
العود والناي
يترجلان للطبول
طبول الذات الجوفاء
والإعلانات الرخيصة
طبول الحرب ..
الواصلون نهاية العلم
يلجون أوحال القبيلة
يستبدلون الذي هو وطن
بالذي هو أدنى ...

نهج آخر



امتطي لحظة الشعر
حين تنيخ
على غفلة
من تشتت روحي
على غفلة من الوجع
ذلك الذي
حل فجأة
ذات مساء خريفي
فأيقنت أن الكلام
سيصبح غير الكلام
وأنه لم يعد
موطئ إحساس
إلا لسطوة الألم
ذلك الذي
كنت أهذي به
ولا أعرفه ...
...............
...............
امتطيها ...
وهي تخب بلا هدى
تتمرد على
رسن التذوق
وتبحث وهي تتخبط
عن رائحة
ذلك الذي
سجّى في الريح
فصارت كل هبوب
تلحق شذاه
غير عابئة
بما يثيره عدوها من نشاز ..
تعدو ...
تتشمم خطاه
ترفع رأسها للريح
حين تبخل بالهبوب
تدور حول نفسها
تتفقده خلفها
ثم تحن بعمق السكون
واتساع الموت ....

04 فبراير 2010

مقايضة

هل سبق
وكنت شاعراً ؟؟
هل تغزلت بالجميلات
واكتويت بجمرة العشق
فسرقتني العيون الساحرة
من ذاتي ....
هل تحدثت :
عن الألم والوحدة
وهجر الأصدقاء
والراتب الهزيل
وانشغال الزوجة
وربكة الوظيفة
هل تقلبت في السرير
مراوداً عناد النوم
وأصبحت حاد المزاج
على رجع ألم مجهول
هل سرقني
الحزن الغامض
من مرح الأصدقاء
وانتزعتني القصيدة
ممن حولي
فاستمعت لهم
بهامش وعي
بينما أتسلق
ملكوت الكلام
حافياً سوى
من قلقي وحيرتي
هل كان ذلك بذخاً
افتعالاً ... حقيقةً ... خيالاً
أعيدوا لي صغيري
وسوف أبتسم مستخفاً
بكل الذي كان ...
....................
...............
أعيدوا لي
ضحكته المجلجلة
بنكهة السخرية
روحه الرافضة
عناده الحار
حنانه الدافئ
حين يتفقدني
لحظة يعاودني
هذا الصداع العنيد ...
يقتسم معي
ما في جيوبه الصغيرة
من قطع الحلوى ...
أعيدوا لي بهجته التي
لم تجد لها مكاناً
طاردها حزن بليد
توجس وقلق
لم يتركا لي يوماً
وقتاً لتناول دعابته

أعيدوه لي
وخذوا حزني كله
وما أنتج هذا الحزن
من قصائد ....



09 يناير 2010

القصيدة التي أريدها


أريد أن أكتب قصيدة

هل يكمن للخباز

أن يفقد

سر السبك ؟؟

هل يمكن للنار التي تتأجج

أن تعجز

عن لحظة النضج ؟؟

....................

حين أدرك ما أقول

حين أفرغ

صهير الحزن

على وجه ورقة

حين أنحاز لذاتي

واتكور على إعاقتها

هل يكون ذلك شعراً ؟؟؟

..........................

أتصيد لحظات حزني

أيها يصلح

لإشعال لغة القصيدة ؟؟

أيها يقدر على

استخلاص الشعر الخالي

من شوائب الأنا

.....................

القصيدة التي أريدها

تصبو لقول العالم

تسمو عن حزني

وألمي وفقدي

تتجاوز ظلم الأقارب

وقسوة الأصدقاء

وجحود الرفاق

تمر بجانب اليومي

تختزل الكلام

وتتسلق مشارف المجهول

لتلتقي السر الغامض

الذي اتوق إليه

ولا أعرفه

26 ديسمبر 2009

سلام


إلى روح المعلم الفاضل : عبدالله حمد



سلام على اليد المُسبلة


على اليد التي خطت


فاشتعل سواد اللوح


حروفاً ....


على اليد التي ربتت


على الرؤوس الصغيرة


على اليد التي هتفت


للحق لمّا جاءها


وأشاحت ....


حين سرقته المآرب


سلام على العشق


وصدق الأنتماء


سلام على المعلم


بروحه الطيبة


في مدرسته


يجسر هوة الجهل


في سيارته المهترئة


يستجدي بها


لقمة العيش


تاركاً رفاهيةً بين يديه


للساعين خلفها


بكل الوسائل


سلام على طيبة القلب


وصفاء السريرة


على بريق الدمعة


في عينيك


وأنا أقبل اليد التي


علمتني كيف أخط الكلام


لك الله يا معلمي


يقايض صدق



قلبك بجنانه


يحتظن روحك الطاهرة


التي ما سار خلفها


غير الأقارب والجيران


لك الله


أيها الصادق النزيه


تخرج من الدنيا


بابتسامة واثقة


هازئةً بمن خلفها


راضيةً بما قوبلت به


من جحود






حيرة


ماذا أفعل

حين تعجز دلاء الكتابة

أن تنتشل عمق الأحاسيس ؟؟

ماذا أفعل وشبق القصيدة

أكبر من قدرة القلم

تنتابني القصائد

غامضةً كالكوابيس

تشخر في اذني
حتى الصباح

أحاول أن أتذكرها

فتهرب قبل أن يرتد لي قلمي

أرتبها فتتفرق كأحجية

أحبّرها فتختلط حروفها

كحجاب ...

القصيدة صارت هاجسا

أصبحت وسيلتي وغايتي

أغازلها فتتمنع

أطاردها فتعدو

في الشعاب البعيدة

تاركةً بسمتها الساخرة

وجموحها العصي ...

16 نوفمبر 2009

تسألني قصيدة




حين تكون

على هامش الاهتمام

وتتسرب كلماتك
من شقوق اللامبالاة
حين تصرخ
في بئر موصدة
وتتغلق حولك الأبواب
يستبد بك الملل
فتردد الكلمات لنفسك
وتستبدل الواقع
بحلم خائب
*****
ألم تعلم بأن القصيدة
تحتاج زاداً ؟؟؟
وأن زاد القصيدة
كلام متحفزٌ ،
فرشــاة .....
أفق مفتوح على المدى ،
صفحةٌ تتشرب
صخب اللون ،،
صحبةٌ رائقة
وامرأةٌ يشعلها الغياب
*****
لا أنكر دلالي
تجاه القصيدة
أنا لا اغازلها
ولا أنصب لها الفخاخ
فقط أنتظرها
كما تنتظر الغابة
غيمةً تمسح عنها
سنين الظمأ
*****
هي دائماً معي
في سيجارتي الأولى
في فنجان قهوتي
في الكلام الجميل
أهديه .....
كلَّ من حولي
في وقوفي
عند مفارق الطرق
أبدل عجلتي
بمرور الاخرين
في لهفتي لخطى الجمية
تخيط بها
ما مزَّق العمر
من حنين وذكريات
في دموعي ...
حين أستنهض
ذكرى حبيب غاب
في حزني ...
والجحود يقابل
ما دحرجت من قصائد
*****
القصيدة دائماً معي
وكثيراً ما تبقى معي
دون أن تظهرها
مرايا الكلام
*****
البركة الصامتة

تحتاج حجراً

لترسم الدوائر

الغيمة المثقلة

تحتاج ريحاً

تسوقها لبلد ميت

والقصيدة تحتاج

لمن يتلقفها بشغف

23 مارس 2009

وهم

من شخب الأثداء
وأهازيج الأم المقهورة
تبثها الرحى
من تساقط الأمطار
على أسطح الصفيح
و(طخطخة) الشاي
على مواقد الفحم
من قصف الرعد
وصفير الرياح
من نعيق البوم
وهمهمة الخيل
وثغاء الماعز
من صوت الدلو
وهو يقصف
سطح البئر
إلى حفيف السنابل
تقاوم شهوة المنجل
إلى أغاني العشاق
يطوعون بها
قسوة العيش
إلى همس المواعيد الدافئة
…………
………………….
………………………………
اختلط النغم بالنغم
وصارت القصيدة
تتبختر في أوهام الذاكرة …

27 فبراير 2009

مكان


هنا ...

كان أمسُ حافلٌ

لكم اندثرت

هذه الدروب الصغيرة

في كل خطوة

من خطوات طفولتي

نمت عوسجة

غير أن بعض الأشجار

لم تزل تحفظ عهد الأمس ...

يا الله ....

كم مسّد هذه الشعاب

ثغاء الماعز

وخوار المحاريث

هنا ...

كان بيتنا

تنسجه أمي

من خيوط الشعر

نوافذه الصغيرة

تطل على النجوم والقمر

في ركنه

ينضج الشاي

على موقد هادئ

ويحلّى بالحكايات والأساطير

لكأنني أفيق من النوم

هذا مكان

تنور أمي

لم أزل أذكر جيداً

وجهها الهارب

من اللهب ..

وهذا أبي المنحني

فوق قادومه

يحارب ...

مع سنابله الصغيرة

سطوة الشوك

هذه درب العين

محفوفةً بالصحبة

والمواعيد الدافئة

وأغنية (عَلَمْ)

تكسر وحشة الطريق

هذه درب المدرسة

أسير فيها

مغمض العينين

محمّلاً ببقايا حلم

وحقيبة مكتنزة

وألتفت إلى الوراء

لأرى أمي واقفةً

في مدخل البيت

تتمتم بأدعية وتعاويذ ...




جمعة عبدالعليم يكتشف نفسه من جديد !




رغم المفارقة المعروفة بين الاتجاهين الرومانسي والواقعي إلا أن في أشعار جمعة عبد العليم تمازجا واضحا من هذا النوع، فرغم ما عُرف عن الاتجاه الرومانسي من قـُربٍ إلى الاحتمالات والتوهم أكثر منه إلى العقل والمنطق إلا أن في شعر عبد العليم نصيباً وافراً من الواقعية ؛ فهو لا يهيم في ضبابية الشعر، بل أشعاره تتناسب مع العقل وتبتعد عن الوهم، ومن ثمَّ فهي واقعية ورومانسية معا وحسب اطلاعنا على نتاج كثير من الشعراء فقد وجدنا تمازجا واسعا بين المدارس الأدبية في أشعار العقدين المنصرمين بصفة خاصة، فلم تعد القصيدة تقليدية خالصة ولا رومانسية أو واقعية وإنما قد تجتمع كل هذه المدارس الأدبية في أسلوب واحد وفي قصيدة واحدة، حتى وهي تجتاز عاصفة سريالية فرضتها الظروف على أفكار المبدع.
هذه القصيدة "بما يكفي" تحمل شتاتاً مثقلا من قناعات الرجل الناضج الذي عاش بما يكفي أن يعرف، نعم، (بما يكفي) هذه العبارة التي اتخذها لازمة يستنهض بها ما يعتنق من القناعات التي آمن بها.. فالرجل عاش بما يكفي أن يقول وأن ينصح وأن يأخذ القرار بنفسه، عاش بما يكفي للتعرف على ملذات الحياة، عاش بما يكفي للتعرف على الغث والسمين.. ولعل الشاعر اختصر كل ذلك في تلك المقدمة التي أعرب فيها عن نفسه ليظهر بأنه معتدُّ بهذه النفس واثقٌ بها :

أنا ناضج بما يكفي
لأكتب قصيدتي
(كن نفسك تختزل العالم)
فعلى الرغم من قصر تلك المقدمة إلا إنها تبيّن تصميما قاطعا لا يقبل الشك بدليل أنه لا يكتفي بما يؤمن به بل يدعو الآخرين إلى ذلك التصميم والتمسك بإيمانه الفكري.. كما تحمل هذه المقدمة تشفيرا وإيجازا شديداً لأشياء كثيرة يريد قولها (عبدالعليم) : (كن نفسك تختزل العالم) هذه العبارة الفلسفية لم يقدمها على طبق من ذهب لكي يتمتع بها أصحاب الخيال الدوني وإنما هي تعبير غير مباشر عن رسالة نفسية مستترة، مرسلة إلى فكر أعمق يحلل ما بها من تكثيف وتعدد للرؤى.
قصيدة (بما يكفي) تعتبر نسجا جديدا لجمعة عبد العليم، تحسّ معها بأنه دخل في جوٍّ من البهجة بعد أن كانت قصائده في ديوانه الأول (عصيان الكلام) يسيطر عليها التردد والقلق وفقدان الأمل والإحباط.. فنراه يصرّح أحيانا بواقعية لا تدع مجالا للشك، ضاجّاً من ظروف الحياة وقسوتها فيقول :
هل تسمحون لرجل
في الأربعين
أن يقول قصيدته
هو محبط جداً
زوجته تسرقها الأمومة
أبناؤه يقلقون خلوته
(1)
وأحيانا أخرى نراه يصرّح بالرمز عن اجتياز الآخرين له، من سلكوا طرقا معوجة للوصول إلى حقوقهم وحقوق غيرهم، وهو يقصد بمن يدعون بالتماسيح أو القطط السمان كما يسميهم البعض، كناية عن نهَّابي هذا العصر واستلائهم على كل حق وباطل من أمام الفئة المتأنية الصابرة :
الذين جرَّدوا البحر من أمواجه
والليل من أحلامه
والأشجار من أوراقها
ربما سافروا قبلك من سنين
(2)
لقد ترك جمعة عبد العليم تلك النغمة الحزينة وألبس شعره ثوبا جديدا من القوة النفسية، هذه القوة رفعت من معنوياته وجعلته يدوس على السفاسف والخواطر الحزينة التي كانت تكبله وتـُشعِره بالإحباط وتعيقه عن الطموح وتجدُّد الأمل ..
أنا صابر بما يكفي
لأبتلع سماجة اليوم
وأتنفس في هذا الخَواء
لأحتمل هجر الأصدقاء
وانشغال الزوجة
وقسوة الأولاد
إنها انطلاقة جديدة لجمعة عبد العليم، تحسُّ بأنه قد ضرب مشاكله القديمة بعرض الحائط وألقاها وراء ظهره فلا عودة لها، فليحتمل هجر الأصدقاء ويحتمل انشغال الزوجة عنه ويحتمل قسوة الأولاد، ويندرج ذلك على كل المشاكل القديمة إلا ثلاثة مواقف لن ينساها، تتراءى له من بعيد كلما أراد أن يبتهج، إنها : ( لقهر امرأة / وإذلالها بالزواج ) و (لِـيُــتْمِ طفلة / تجرعته باكرا / فصبغ حياتها بالزهد )، هذين الموقفين هما في أغوار نفسه البعيدة، من خصوصياته المسكوت عنها التي تلكمه من حين لآخر.. أما الموقف الثالث فهو (غابة تئن / تحت وطأة المعاول).. وهنا تبرز مفارقة ؛ فالرجل يحب الغابة، يحب من الطبيعة براءتها.. كذلك الرومانسيون يحبون من الطبيعة أن تعبَّر عن نفسها.. فلا يخفون هوجسهم بالغابة المتشابكة وبالأمطار الغزيرة والأمواج العاتية والرياح القوية.. ولكنه يكره الريح ففي باب :
أنا صادق بما يكفي
لأن أقول
بأنني أكره الريح والجند...

ربما قصد الريح المدمرة وليس الرياح التي تدغدغ الأفكار وتغنّى بها الشعراء والتمسوا منها إيصال السلام المفعم بالعشق إلى حبيباتهم البعيدة.. وعلى العموم أنا مبتهج أيضا بهذه الانطلاقة الجديدة لجمعة عبد العليم ؛ ذلك لأني أعلم بأنه على الرغم مما يقوله عن نفسه في أشعاره من وجود مصدات وعوائق تقف عثرة في طريقه إلا إني أعرفه شخصا ممتعا، صافي النفس حسن الخلق، تنعم بالجلوس معه والتحدث إليه.

(1) جمعة عبد العليم ـ ديوان عصيان الكلام ـ مجلس الإبداع 2006 ـ ص 27.
(2) المصدر نفسه ـ ص 17.

25 فبراير 2009

من حفريات الطفولة


… انتصف الليل
أتلمّس المقابض الصدئة
أفتح أبواباً مشوشة
نباحٌ ونعيقٌ وعواء
أمطار تسقط
فوق أسطحٍ من صفيح
عراكٌ ودموع
وخوفٌ يتشبث
بقوائم الكوخ

… انتصف الليل
استيقظ الحزن
جداولُ ملوثة
بقططٍ ميّتة
حقيبة مهترئة
أرجلٌ تنتعل البرد والحصى
ويدٌ غليظةٌ تهوي
على مؤخرة الرقبة

… كانت أمي
حين يغربلها السباب
وتعجنها اللعنة
تتكور تنوراً على التنهدات
ولم تكن سيجارة أبي
ـ في تلك الليلة ـ
تكف عن الاشتعال
تومض لحظة التقائها
بسحبٍ بيضاء
ثم تنطفئ في صدره المحترق

… انتصف الليل
ومصارعة الطلاسم
أمام فتيلة معمدةٍ بالكيروسين
والمشاوير الصباحية الراكضة
اتقاءً لعصاة الزيتون
المحفور على جوانبها
(العصا لمن عصى)
ونقش الأصابع القاسية
على وجوه يصقل حمرتها
برد (بيت ثامر) القارس

… كانت أمي
تحملني كل يومٍ
بإفطاري الصباحي
مغموساً بدعواتها الرطبة
وتتحايل على رفيقي
الأكبر سناً
كي يحمل عني الأسفار
التي لا افقه عنها شيئاً

(بيت ثامر)
قرية الشاعر

(من ديوان عصيان الكلام وأشياء أخرى)

كثيرٌ ممن أعرف



نلتقي غداً… !
هل أضمن
أن يتركني الحزن
وأنت تعودين غداً
هل أضمن
أن تعودين
تماماً كما يفعل
أفضل ألأصدقاء
العالم موحش
دون صديق ..
صديق يلوك معك
قسوة الرتابة
يقاسمك الحكاية
يسيء إليك
وتبقى تحزن لغيابه
صديق تهرب إليه
من نفسك
من دوامة الكذب
من زيف المشاعر
تستند إليه
وأنت تتمرد
على السائد
وتبصق على
كل المتعارف عليه
أنا حزين …
لست بحاجة
لأن أناور
كل هذا الوقت
لأقول بكل بساطة
أنني حزين
افتقد …
صديقاً حقيقياً،
يستوعب قلقي
ونزقي وحيرتي
صديقاً كالأم
يُعمى …
عن عيوبي العديدة
ويقبلني كما أنا
أنا تائه ..
تجتازني الحياة
وكأنها حلم
أكره أن
أقوم بالواجبات
رغم طيبة قلبي
أفضّل جدية المآتم
على هرج الأعراس
أفتح نفسي ككتاب
لكل الذين أحبهم
وأعجز أن احتفظ
بهامش للمناورة
الكراهية فوق طاقتي
انسحب بسلام
من حياة الذين
لم أعد اعتبرهم أصدقاء
ألجأ للكتابة
كلما داهمني الحزن
كلما خذلني الأصدقاء
كلما عجز
عن فهم روحي الحائرة
كثيرٌ ممن أعرف.


(من ديوان عمر آخر)

القصيدة



القصيدة تحتاج
وتراً مشدوداً
ضحكة مكبوتة
لعاشق يداري عشقه
حسناء تعرف
كيف توقض لغة الشعر
موسيقى لبتهوفن
فيروز...
ماجدة الرومي
أفقاً يقبّله الغروب
بحراً تنعكس فيه
روح السماء
مطراً وأزيز نوافذ
ليلاً من الدهشة
فنجاناً من القهوة
أعدته بنت تعرف
كيف تمنح روحها
لمذاق الأشياء
صديقاً يسبقك
لما تريد أن تقول
ابتسامة مدللة
حزناًَ عميقاً
رعداً يقصف
أودية تفيض
رائحة نار مبللة
بعطر الشتاء
مزمار راعٍ
وشخب أثداء
ـ أنّا لي ذلك
وأنا أدور مع الكرسي
كزهرة عباد الشمس ـ
القصيدة تحتاجك
حين تختارين النغمات
تشرعين نوافذ الشعر
على مدى الاحتمال
ليست القصيدة
عملاً ذهنياً
ولا معادلة يوزن طرفاها
القصيدة نبع من الروح
فيض من الذات
يتدفق فقط
عندما يوجد من يستحقه
كم من ليلة مرت
على رجع قصائد
ماتت مع الصباح
كم من بوح
تلاشى كالحلم
مع أول ضوء
القصيدة ليست فقط
مجرد كلمات مصفوفة
يمكن أن تكون القصيدة
مجرد ابتسامة
فنجان من القهوة
دمعة على خد صقيل
طفل يستقبل أباه
بخطى من اللهفة
ثكلى تبكي وحيدها
القصيدة …
ضرب من السحر
فمن يكون الساحر سواك
وأنت تتواجد فيك
الفصول الأربعة
بدموعها وابتساماتها
وخصامها ورضاها
ما أجمل
أن تكون القصيدة
لعيون حسناء
لروعة حسناء
تعرف كيف
تنصب الفخاخ
للقصائد الهاربة

(من ديوان عمر آخر)

وأنت بعيدة


القصيدة تحتاج حضورك
تحتاج قوامك الممشوق
لتخطو على مهل
ابتسامتك…
لتعلن الفرح
دموعك لتستطيع
أن تبكي
روحك حتى تتأنسن
حكاياك لتنتشي
حين تغيبين…
تغيب القصيدة
تختلط الصور
يتملكني سوء المزاج
فأبعثر الكلمات
بلا جدوى
أتبلد …
فتولد العُرى ميتة
أتوق فتهاجر
أسراب الروح
خلف سرابك
أنا المولع برقص الحروف
فوق الشفاه
صدى الدموع
في المآقي
دوزنة الأوتار
في الليالي المقمرة
بغباء العاشق
وهو يداري
لوعة الفراق
ببحة أغنية
حفيف فرشاة
أو وهم قصيدة
كيف لي
أن أكون شاعراً
بدونك …
كيف لي أن أفرّق
بين الشعر
وبين الهذر الذي
لا تكونين فيه
أنا الواقع
تحت إغواء الصور
كيف لي
أن أتصور العالم
خالياً منك
وكيف لي
أن أقول القصيدة
وأنت بعيدة .


"من ديوان عمر آخر"