23 فبراير 2009

أحياناً أكتفي بالمرور سريعاً




"أحياناً أكتفي بالمرور سريعاً " : الجزء الأول من قراءة الشاعرة حواء القمودي لديوان (عمر آخر) للشاعر جمعة عبدالعليم

(إلى سالم العوكلي … الشاعر الذي ما قرأت له يوماً إلاّ وعاودني الحنين إلى الكتابة ) ص3
هكذا يشرع لنا الشاعر جمعة عبدالعليم فضاء ديوانه الأول (عمر آخر) الصادر عن منشورات المؤتمر هذه المجلة التي صارت علامة في رصد مشهدنا الثقافي بالإبداع الليبي ، شعراً وقصة ورواية ودراسات متنوعة ، إذا يشرع جمعة فضاء ديوانه ، يفرش لنا المدخل بسجادة مغرية ، فالذي يعرف الشاعر سالم العوكلي يدرك ماذا يعني جمعة عبدالعليم ، فكأنه يعتذر مُسبقاً إذا كان شعره ليس كما الشاعر العوكلي ، أو كأنه يحيلنا إلى لعبة التناص التي قد توجد في نصوصه ، وفي فضاء التكهن ندخل إلى النص الأول في الديوان ، ثمن فيروز ص5 ، والشاعر خلال ديوانه برع في اختيار عناوين النصوص ، حيث صارت مفاتيح للدخول ، وها هي فيروز سيدة النجوم ترحل بالشاعر إلى عوالم قصية ويرحل بنا هو إلى عالمه ، حيث هو مع صوت فيروز ..
(يتفجر الليل حزناً قاسياً وأنا بلا صديق ) ص6
لكن هذا المقطع يحيل إلى الفضاء الأول إلى الشاعر سالم العوكلي ، حيث هو الصديق الذي يبوح له الشاعر بهذه الرحلة الطويلة / القصيرة وهو يبدأ حكايته لصديقه على مهل ، يحدثه عن حياته ، وعن صوت فيروز إذ يفجر ينابيع الحزن ..
(سلم لي عليه … بوس لي عينيه ) ص6
(ألا أستحق صوت فيروز ؟!
يكسر وطأة الليالي الموحشة
يعيد لي زمني الهارب
أصدقائي الذين رحلوا
تمردي الذي
لم يكن له حدود ) ص7
اللغة السهلة ، القريبة ولكنها حارة وضاجة ، مكتنزة بالألم ، وسيختم الشاعر توطئة الحديث/ البوح لصديقه ..
(أعطيك قصيدة
بدلاً عن (احنا والقمر جيران)
أعطيك ديواناً مقابل
(أنا عندي حنين)
أعطيك عمري
وأعود كما أنا ) ص8
الشاعر جمعة عبدالعليم وخلال أكثر من قصيدة ، برع في إخفاء تفجر النص حتى اللحظة الأخيرة ، حيث يرسم نهاية النص ، ويصل بالصورة إلى لمسة الفرشاة الأخيرة ، يصعقنا بالجملة الخاتمة وبالصورة التي تفيض بالدلالة ..
أعطيك عمري
وأعود كما أنا
وكأن الشاعر بصورته هذه يفتح النص التالي (مجرد إحساس) ص8 ، ويجب أن لا نغفل أن الشاعر هو في حكاية بوح لصديق حميم ، يسرد عليه تفاصيل الحكاية بدقة/ لذا سيدخل إلى فضاء آخر حين يقبض على نفسه وهو محتفٍ بتفاصيل أنثى … حيث مجرد إحساس .
(العطر ….
حيث يجد فيك شذاه
ويتشرف الشعر البريء
أن يحتفل بهذا المهرجان
الذي يرافق حضورك ) ص12
ببساطة شديدة يواصل البوح ، ويصعّد من حالة السرد ، ويدخل إلى (كثيرٌ ممن أعرف) ص13 ، وهذا النص يقلب معادلة نصوص أخرى ، إذ يكون المقطع الأول منه هو الذي يفيض بالدلالة ، ويحمل عبء النص كاملاً ، بل يكاد أن يكون هذا المقطع أن يكون نصاً متفرداً ،
(نلتقي غداً ….. ،
هل أضمن
أن يتركني الحزن
وأنت تعودين غداً ؟
هل أضمن أن تعودي
تماماً كما يفعل
أفضل الأصدقاء ؟ ) ص14

وتبدأ فصول الحكاية في التفتح ، والمطر يتدفق ، وتبدأ (وأنتِ بعيدة) ص19
(كيف لي
أن أتصور العالم
خالياً منكِ
وكيف لي
أن أقول القصيدة
وأنت بعيدة ) ص22
إذاً هو لم يعد يبوح لصديقه ، هو صار يحكي ، يرسم تفاصيل هذه التي تغيب القصيدة حين تغيب ، ولذا تجيء (القصيدة) ، ص23
(ما أجمل
أن تكون القصيدة
لعيون حسناء
لروعة حسناء
تعرف كيف
تنصب الفخاخ
للقصائد الهاربة ) ص28
وفي ( مصالحة ) ص29 ، يواصل توضيح العلاقة بين طرفي معادلة هي والقصيدة ،
(تحتاج القصيدة
لمن يستحقها
لمن ينصب لها
شركاً من الرقة
حينها فقط
تنتفض من رمادها
وتولد من جديد ) ص32

لكن السرد المتوالي ، والنصوص التي تناور ، تجعل من (مناكفة) ص33 وكأنها بيان ثوري عن صفات إنسان / قديس ، إنسان يتجمل ، لينصب الفخاخ لأنثى تناور ، الفخ ليس إلاّ هذه الكينونة الشفّافة ،ولكنها كينونة تعيش بيننا ولا تدّعي أكثر من ذلك ..
(لست نبياً
ولم يمدني الراهن
بمعجزاته …
كأن تكون مثلاً
مرفوعاً ……..
بمالك الوفير
مرموقاً ……
بمركزك المميز
محفوفاً …
بهيبة القبيلة) ص34- 35
وسيظل ينوّع على بشريته التي تقترب من القداسة وينفي عنها النبوءة ، هو فقط يعوّل على جسده ،وعلى قصيدة النثر ، على (السيجارة) وفنجان القهوة ..
(على حكاية صغيرة
ليزهر القول
قول في مساحة الفعل
وكلمة تقوى …. ) ص37
وفي (كل المواسم) ص39 ، تجيء الحكاية ، تصبح المعشوقة ، كائنة نراها ، لأنه يتحدث إليها ، ويجيد الشاعر في تقسيم النص إلى أزمنة وإلى فضاءات ، حيث يبدأ بالصباح ثم المساء ثم اليوم ثم …
(كل لحظة …
تجرين المشاعر إلى باحة العشق
الكلمات …
إلى معبد الشعر
الخطى ..
إلى دوامة الحيرة ! ) ص41
والحيرة تكبر ، ومساحة البوح تزيد ، والشاعر في (حاجات) 43 يريد أن يتكلم كما الأطفال نقياً وبريئاً ، وأن …
(أغني للبنت المثيرة
التي طلعت
فجأةً في آخر العمر
أحبك … ) ص44
وهو يحتاج إلى كثير من الأشياء التي تعيد له العمر الذي يضيع ، امرأة ومقهى وأصدقاء ، إنه خائف من هذا الآتي ، من هذه الكلمة الصغيرة التي وضعها في أول النص (أحبك) ، لذا هو يحس بالحزن ..
(أحتاج من
ينتشلني من حزني
أنا حزين جداً
هذه الليلة
بحجم هذا الوطن)
وهو مشدود ، هو مقيد بهذا الوطن ،وبهذه الأسرة ، وبهذا العمر وهو ينحدر من قمته ، ولكن (في البيت) ص49 ، ثمة بنت يراها ، يرسم تفاصيلها ، ويواصل البوح ..
(لماذا حين اراك أرجع عشرين عاماً ؟!
يخذلني المنطق
تتخلّى عني
تجارب السنين) ص51
وتجيء (وجهان للوعة واحدة) ص55 ،
(الغياب عنك
تجربة مثيرة
تتبع شذا عطرك
في مسالك الذاكرة
تخيل عينيك من بعيد …
استرجاع اللحظات المدهشة
لحظات الحزن العميق
كصوت فيروز ) ص56
إذاً صار الحب الحقيقي فتجيء (لكِ) ص59
(لك كلك
للجسد الطاغي على الوصف
للروح المتمردة
للحنان المنساب
المتدفق ….
للروعة المترقرقة
في صحارى العمر
أقف حائراً
أرتل صمتي ) ص59
لكن مازالت المناورة تفيض ، مازال الخوف من الاعتراف بالمشاعر ، والسرد يتواصل ، والبوح تعلو حدته فتجيء تحول) ص63 ، ولذا نعذر الشاعر وهو يفيض في القول ، يحاول التبرير ، فهذا النص حين يصل إلى المقطع الأخير ، يحيلنا إلى هذا القلق المخيف ، ذلك لأن تجربة الحب مخيفة ، والاعتراف بوجود هذا الكنز في القلب يحتاج الكثير من الشجاعة ..
(أمس انتظرتكِ
انتظرت
فكان غيابك
خليطاً من الأسى
واللهفة والانتظار
مزيداً من الأسئلةلماذا كلما رأيتك تتسرب
سنوات العمر مني
وأولد من جديد ؟؟ ) ص66

وحين تجيء تفسير ص67 ، نجد المزيد من الخوف والحيرة والقلق والتوجس ، والرعب ، إنه رعب حقيقي يبرع الشاعر في رصد خطواته ،
(ثمة بنتٌ رائعة
تجلس على مرمى نفس
تبث عطرها الأخّاذ ) ص68
وعاشقٌ يتأهب للحظة البوح لنفسه أنه يحب ، لكن ثمة محاذير كثيرة ، لذا المغامرة محسوبة ،
(ما الذي يبقيك
أيها المتهالك ) ص69
هذا الحوار الداخلي يصل إلى ذروته في نهاية النص ليفتح بوابة الحكاية ، الحكاية التي تفضي إلى عاشق ، العاشق الذي يقف على الأعتاب ، والأعتاب التي تنتظر خطوةً شجاعة ،
(لا شيء … لتبقى ساكناً
في مواجهة العاصفة
ثلجاً في بوتقة النارمتردداً والتيار يسحبك
إلى آخر المدى ) ص70
وما زالت نصوص الديوان تمطر ، وما زلت ارتعش ، أرتجف بهجةً ، وصعقة الشعر تذهلني ، لذا سنعود لأن (عمر آخر) ديوان شعر حقيقي .





" أوصد أبوابك ما هذا الضوء بنور الشمس "

الجزء الثاني من قراءة الشاعرة حواء القمودي لديوان عمر آخر للشاعر جمعة عبدالعليم



(عمر ٌآخر) الديوان الشعري الذي يستحق هذه الصفة ، وتستحق النصوص فيه أن تسمّى شعراً ، رغم أن بعضها بسيط جداً ، سهل التناول ، لكن التجربة الشعورية الحارة هي التي أحالت هذه النصوص البسيطة إلى سمة الشعرية ، لكن ، ثمة نصوص تخلب اللب ، وتجعل المتلقي يعيد قراءتها ، وتتوالى البهجة في التلفظ بمفرداتها والتوقف عند صورها الشعرية ، حتى وإن كانت الصورة مكررة ومقروءة عند شعراء آخرين ، لكن تجربة الشاعر (جمعة عبدالعليم) تجعل منها صورةً خاصة بنصه و نابضة بما يجيش به قلبه ، وخلال هذا الديوان لعب الشاعر لعبة الحكاية ، حيث يسرد قصة حب ، يبوح لصديق حميم بتفاصيلها ، قبل أن تبدأ ، وحين أحس تسللها إلى داخله ، وفي كل نص يسرد فصلاً جديداً من الحكاية ، حتى لحظات الخوف من الغرق في بحور الحب ، مواجهة الواقع البليد ، إنه (الشاعر) يأتي بكل التفاصيل ، ويبوح ويصل إلى (نشوة) ص97 ، حيث العاشق لا يأبه إلاّ بهذا الكشف ويغرق ، لذا سيحكي لصديقه ما حدث :
(لم أنم !
ليلة البارحة
ـ الفرح كالحزن
يمكنه أيضاً
أن يصد عنك النوم !! ) ص98
النشوة تدب في الروح ، خمرة الحب تسكب عصيرها في القلب ، والبهجة تطير بأجنحة التوق ، حيث عاشق يبوح ـ لم أنم ! ـ جملة إنشائية ، بسيطة هي وعادية ، ولكن ليلة البارحة وإشارة تعجب صغيرة ـ وجملة شارحة الفرح كالحزن إن انهمار العاشق بالحكاية يجعله يفيض بتفاصيل كثيرة ، يتلذذ بتذكر كل الأشياء التي عاشها ، يتذوق كل المشاعر ، ويواصل اكتمال صورته ..
(لم أجد مدىً …
يتسع لبهجتي ) ص98
هكذا تنتهي الصورة الأولى ، عاشق يهدهده العشق ، يحس دبيب الحب ، فلا ينام ـ لأنه لم يجد قلب صديق ليخبره ولا مكاناً يتسع لهكذا فرح سماوي ،
(خفت أن
يقتلني السر
فوشوشت القمر
ـ حين كان يمسح
عن وجهه
غيوم الشتاء
وبحت للريح
وهي تعاند المطر )
القمر اللاهي الذي يمسح غيوم الشتاء عن نوره الساطع ، والريح المعاندة التي تعاند انهمار المطر ، وقف شاعر/عاشق وباح لهما بالسر ، لأن القمر سيواصل ظهوره ، ولأن الريح ستمضي إلى مكان آخر ، وكلاهما سيمضي ومعه حكاية حب يبوح بها ، والشاعر يواصل رسم تفاصيل المشهد ، مشهد العاشق الذي يبوح لنفسه ، يعترف بالحب ..
(كان بودي أن أعدو
أن أتبلل بالبرد
أن أصرخ
ملء انتشائي
أن أسير حافي القلب
وأرقص عارياً من هيبتي ) ص99
لقد صار عاشقاً يحب الذين يكرهونه ويرى ثقيلي الدم تجعلنا نشعر بحرارة الصدق ، لأنه صار يحمل في قلبه أعمق شيء ، وسيقبض الشاعر على العاشق في لحظة نشوة عارمة فيرسم الصورة ، ضاجة وحارة وعنيفة ، رغم أنها تبدو عادية ، المفردة التي نراها ، وربما نتلفظ بها ، لكن الشاعر حين حوّلها على صورة شعرية ، فإنه أحالها كنزاً من الدلالة ..
(فكرت …!
ـ في آخر الليل ـ
أن أطرق بابك
وأسألك من جديد
هل مازلتِ
ترتعشين برداً
لأخلع جسدي وأغطيكِ ) ص99
العاشق الذي يبوح بكل التفاصيل والشاعر الذي يرسم المشهد يزيحان الخطاب في هذه الصورة إلى المعشوقة ، العاشق في الصورة السابقة كان يسرد التفاصيل لذاته ، ليعترف بهذا الكنز الذي عثر عليه في قلبه ، وفي الصورة بعد أن يبدأ الخطاب فكرت كما في الصور السابقة ينزاح الخطاب إليها :
(أن أطرق بابك
وأسألك من جديد )
لقد منحها القلب والروح والعقل والنفس ، لم يبق لديه شيء إلاّ جسده ، ولهذا هو بجرأة العشق يفكر (في آخر الليل) أن يذهب إليها ليسأل (من جديد) ، إذاً ثمة حوار سابق ، حديث وحدث كنَّ في النهار ، إن الشاعر لا يترك لنا مساحة بياض كي نملأه بخيالنا وتفكيرنا ـ إنه يملأ كل الفراغات لكن صورته الشعرية ، وحرارة التجربة يغفران له ،
(ـ هل ما زلت ترتعشين برداً ـ)
لقد منحتكِ كل شيء ، كل ما لدي كي تشعري بالدفء ، ولكن إذا كان بعض البرد ما زال يترصدكِ فخذي جسدي (لأخلع جسدي وأغطيك) .
إن حسية الصورة التي جاءت في فعل (أخلع) تجعلنا نشعر بحرارة الصدق الذي يغمرها ، هكذا ببساطة (أخلع جسدي) ، إنه آخر ما تبقّى لدي ، لكنه لكِ ، لأنك حبيبتي ، وكيف أكون عاشقاً وحبيبتي تشعر بالبرد ، !!
ويغلق الشاعر (النص الدائري) الذي يكتمل عند المشهد الأخير ، وينام كما الشاعر/ العاشق ،
(البارحة كان كل شيء
غير الذي كان
وكنت أنا غير أنا
أطبقت جفني
على آخر شيء منكِ
ونمت كما لم أنم من قبل ) ص100
ولذا صارت (فاتحة) ص101 النص الذي يلي (نشوة) ، ويكمل قصة الحب ، الحب الذي صار واضحاً ، فهل يكتفي الشاعر بمجرد الإحساس ،
(الآن وقد فتحنا
كوةً في البوح
وانتشر ما حاولنا أن نخفيه
من عبقٍ وأريج
هل تشاركينني جنوني !!
هل تقفين معي
تحت وابل العشق ) ص102
ويختم (مفاتحة) بعد أن يحكي لحبيبته عن أحلامه في الحب ، عن رهافته ،
(أحياناً …
ينتابني الحزن بلا سبب
فأحتاج حظناً دافئاً
يتسع لحزني ) ص104
يختتم النص متحيزاً لهذا العمر الجديد واثقاً من قدرة الابتسامة والكلمة الحنون أن يهباه سعادة الدنيا ،
(بفنجانٍ من القهوة
أنضجته نار العشق
وسكبته أصابع البنت التي
بعثت موت القصائد
فأصبحت عمراً آخر
أنتفض من رمادي
لأحيا له ) ص105
إذا (عمر آخر) هي الحبيبة التي حين يراها ـ تفر السنوات منه ـ ولكن ليولد من جديد ، وتكون هي (عمر آخر) تجعله كما طائر الفينيق يعود إلى الحياة ولكن فقط ليكون لها ، ليعيش من أجلها ، وحين تجيء (ملامسة) ، تكون حديث عاشق لحبيبته ، يتواصل بالخطاب معها ، ناسياً أننا معه نستمع بلهفة لبوحه ،
(أتفاجأ بك
حين يفوح من النوافذ
شذا عطركِ
من النظرة الحائرة
مدىً آخر للانتشاء
دفئاً في ليالي الشتاء
الطويلة الباردة ) ص109
ولكنه كأي عاشق في مجتمع مغلق ، يحاول أن يوصد الباب أمام العيون الباصة ، فتجيء (أحياناً) ص111 ،
(أحياناً …
أكتفي بالمرور سريعاً
حفاظاً على كذبة الهيبة
أبدل لهفتي
بوقار كاذب ) ص114


(أعطيك ظهري
وأعود أحمل
كل همسة ،
لمسة عابرةابتسامة وتكشيرة
نظرة حائرة) ص115
هو العاشق الذي امتلأ بعطر الحب ، وأراد ن يقف وحبيبته تحت (وابل العشق) يتذكر أنه يخالف المنطق والواقع ، إنه يخلق عمراً جديداً ، ويبعث النار في قصائده ، لذا يفاجئ حبيبته بذاك التهذيب والوقار ، وحين يعود إلى ذاته ، إلى مكانه الحميم ، يظل يتلمس زاده ، كشحاذ أعمى ، يتلمس بشغف تفاصيل اللحظات ، الهمسة واللمسة والابتسامة والعبوس والنظرة المتسائلة : لماذا ؟! ، وإنه الشاعر جمعة عبدالعليم الذي برع في عدة نصوص في هذا الديوان يجعل الخاتمة في النص مكتظة وشفّافة ،
(أعود بيومكِ كله
أعيش عليه
بقية يومي ) ص115
في حالة ص121 يعيش قلق الحب ، عذابات الأسئلة الموجعة ،
(تغيبين …
فيفترسني الشوق
تحضرين …
فيقتلني الحنين ) ص123

وما زال الشاعر يسرد حكايته ، يواصل البوح في (سيرة) ، إنه يلخص حكاية إنسان يحب ، فيسرد حكاية تشبه حكايته ، كأنه يحاول أن يجد نقاطاً للقاء ، أن يعرف ما هذا السر ، ذاك الواثق صار ينهبه الشك والخوف ، لم يعد يعرف ؟
(فيعود مترنحاً
آخر الليل
إلى سريره
تزاحمه الآمال والمخاوف ) ص127
لكن مساحة الخوف تكبر ، فتجيء (لم يعد شيء يروق لي) ص129
(لا استطيع أن أكون
عاشقاً وصابئاً
مشتاقاً وصابراً
يمكنني فقط أن أكون
واضحاً …. ) ص123

العشق إيمان ، وهو لا يحاول أن يموه هذه الحقيقة ، إنه عاشق ، إذاً كيف يطلبون منه أن يكون كافراً ؟ ، هو يذوب اشتياقاً لحبيبته فكيف يصبر ؟ ، هو الواضح كالشمس ، النقي كهواء الفجر ، ما الذي يحدث حوله ؟؟
(لم يعد شيء يروق لي
مللت رتابة هذه اللعبة
وإن كان مؤلماً وقاسياً
وغير عادلٍ
أن اختتم ديوان العمر
عند باب الرثاء
إلاّ أنه لم يعد شيء
يروق لي …. ) ص134

لذا يفجر حزنه ، ونأتي إلى (أن أكون سعيداً) ص135 ،،
(يمكنني الليلة …
أن أكون سعيداً
حبيبتي …..
تودعني بكلمات
هادئة
ومنمقة
تقطر قسوةً
أصدقائي يهجرونني
عائلتي تتابع أخبار النجوم … ) ص136

وحين يجيء إهداء الديوان هو آخر نص في ديوان (عمر آخر) فإن الشاعر يقلب المعادلة التي يكون فيها الإهداء هو مدخل أي عمل ، إن الشاعر جعل (إهداء) ص141 ، تختم ديوانه لأن قصة الحب آن لها ان تنتهي نهاية تقليدية ، نهاية تشي بهذا المجتمع المزيف الروح ، (حين نداري رائحة العشق ـ كأنها رميم ـ بينما تُزهر الفضائح) ص132 ، لذا تعود الأشياء إلى كذبتها ، ويعيش العاشق (حزناً عميقاً ، وعمراً لا يهدف لشيء) ص143 ، لكنه يجد أن هذه الحبيبة تستحق هذا الإهداء ، وكما ودعته (بكلمات هادئة ومنمقة تقطر قسوةً ) ص136 ، فها هو أيضاً يحاول أن يكون قاسياً :
(للخطى التي
تنصلت من رفقة العمر
فصار العمر
درباً موحشاً …
لنجمة المساء التي اختفت
خلف سحاب الأنا
غافلةً ….
عن العيون التي
تتقلب في السماء
أهدي وجع لاقلب) ص145



(عن جريدة الجماهيرية ، العددان 5128 ، 5134 لسنة 1375 و.ر)



هوامش :
§ عمر آخر ـ جمعة عبدالعليم ـ طب أولى ـ من منشورات مجلة المؤتمر .
§ أحياناً أكتفي بالمرور سريعاً ـ من نص أحياناً (ديوان عمر آخر) ص11 .
§ أوصد أبوابك ما هذا الضوء بنور الشمس من قصيدة ( الرحيل إلى الداخل ) للشاعر جمعة عبدالعليم ـ مجلة الفصول الأربعة ـ العدد (المشهد الشعري الليبي) ص196


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق